صحفي من مصر

موقع صحفي اخباري يقدم تحليلات ومقالات اخبار عن العالم العربي

صحفي من مصر

موقع صحفي اخباري يقدم تحليلات ومقالات اخبار عن العالم العربي

كيف يؤثر الاقتصاد على السياسة في منطقتنا؟

في أي مكان في العالم، يُعد الاقتصاد والسياسة وجهين لعملة واحدة. لكن في منطقتنا (العالم العربي والشرق الأوسط)، لا يكون هذا الارتباط مجرد “تأثير” متبادل، بل هو “اندماج” عميق. لا يمكنك قراءة عنوان سياسي واحد دون أن يكون خلفه “مُحرك” اقتصادي، ولا يمكن اتخاذ قرار اقتصادي واحد دون حساب “التكلفة” السياسية.

لفهم هذه العلاقة المعقدة، يجب ألا ننظر إلى الاقتصاد كأرقام مجردة (ناتج محلي، تضخم)، بل كأدوات قوة، ومصادر شرعية، ومحفزات للاستقرار أو الاضطراب.

إليك أهم أربع “نقاط ضغط” يتداخل فيها الاقتصاد بالسياسة في منطقتنا:

1. نقطة الضغط الأولى: “العقد الاجتماعي” (The Social Contract)

هذا هو المفتاح الأهم، وله شكلان:

  • في الدول الريعية (الغنية بالموارد): في العديد من دول الخليج، الاقتصاد ليس مدفوعاً بالضرائب، بل “بالريع” (عائدات النفط والغاز). هنا، يتشكل “عقد اجتماعي” فريد: الدولة (الحكومة) توفر الرفاه الاقتصادي (وظائف في القطاع العام، دعم سخي، خدمات مجانية) مقابل “القبول” السياسي.
    • التأثير السياسي: هذا النموذج يخلق استقراراً هائلاً طالما أن أسعار النفط مرتفعة. لكن عندما تنخفض، تضطر الدولة لإجراء إصلاحات (مثل فرض ضرائب القيمة المضافة، أو تقليل الدعم)، وهذه “الإصلاحات” ليست مجرد قرارات مالية، بل هي “تعديل” سياسي للعقد الاجتماعي القديم.
  • في الدول غير الريعية: في دول (مثل مصر، الأردن، المغرب)، العقد الاجتماعي قائم على “الدعم” و”القطاع العام”. أي مساس بهذا الدعم (مثل رفع سعر الخبز أو الوقود) لا يُنظر إليه كإجراء اقتصادي، بل كـ “خرق” للعقد، مما يهدد بالاضطراب السياسي الفوري.

2. نقطة الضغط الثانية: “القنبلة الديموغرافية” (بطالة الشباب)

تتمتع منطقتنا بأعلى نسبة شباب في العالم. هذه “الهبة الديموغرافية” يمكن أن تكون محركاً للنمو، أو محفزاً لعدم الاستقرار.

  • التأثير السياسي: البطالة بين الشباب ليست مجرد رقم إحصائي، إنها “قضية أمن قومي”. الشاب الذي لا يجد فرصة عمل، أو يشعر بغياب “العدالة الاجتماعية” في التوظيف، يصبح أكثر تقبلاً للأفكار الراديكالية أو أكثر استعداداً للاحتجاج.
  • المحرك: لم يكن “الربيع العربي” في 2011 حدثاً سياسياً بحتاً. لقد كان انفجاراً اقتصادياً في جوهره. شعارات مثل “عيش، حرية، عدالة اجتماعية” تضع “العيش” (الاقتصاد) أولاً. لذلك، فإن سباق الحكومات اليوم لخلق ملايين الوظائف ليس “رفاهية” اقتصادية، بل “ضرورة” سياسية لضمان الاستقرار.

3. نقطة الضغط الثالثة: “الجغرافيا الاقتصادية” (Geoeconomics)

هنا يتم استخدام الاقتصاد كـ “سلاح” أو “أداة” في السياسة الخارجية.

  • التأثير السياسي: لم تعد السياسة تدار بالجيوش فقط، بل “بالاستثمارات” و”المساعدات”.
    • صناديق الثروة السيادية: تُستخدم كذراع استثماري لدولها. الاستثمار في دولة أخرى قد يكون لكسب نفوذ سياسي، أو لتأمين مصالح استراتيجية (مثل الأمن الغذائي عبر شراء أراضٍ زراعية).
    • المساعدات والقروض: تُستخدم كـ “جزرة وعصا”. يمكن تقديم حزمة مساعدات ضخمة لدولة ما لضمان وقوفها معك في ملف سياسي إقليمي، ويمكن “حجب” هذه المساعدات لمعاقبتها.
    • الممرات الاستراتيجية: السيطرة على ممرات (مثل قناة السويس، مضيق باب المندب، مضيق هرمز) تمنح الدول “ورقة ضغط” اقتصادية ذات أبعاد سياسية عالمية.

4. نقطة الضغط الرابعة: “سعر الصرف” (شرعية العملة)

في الدول التي تواجه أزمات، يصبح سعر صرف العملة هو “مقياس” أداء الحكومة في الشارع.

  • التأثير السياسي: عندما تنهار العملة المحلية (كما حدث في لبنان أو في فترات سابقة بدول أخرى)، لا ينهار معها “الاقتصاد” فقط، بل تنهار “ثقة” المواطن في الدولة بأكملها. يصبح الحفاظ على استقرار العملة “هدفاً سياسياً” بامتياز، حتى لو تطلب ذلك إجراءات اقتصادية مؤلمة أو غير مستدامة.
كيف يؤثر الاقتصاد على السياسة في منطقتنا؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تمرير للأعلى