رأي الخبراء حول الأوضاع الاجتماعية الراهنة
عند تحليل المشهد الاجتماعي الراهن في العالم العربي، يتفق الخبراء (من علماء اجتماع واقتصاديين ومحللي اتجاهات) على أنه مشهد “مركب” يتسم “بالتوترات المتزامنة”. بعبارة أخرى، لم يعد التحليل البسيط (مثل تقليدي مقابل حديث، أو غني مقابل فقير) كافياً لوصف ما يحدث.
يرى الخبراء أن الوضع الحالي يتشكل بفعل أربع مفارقات كبرى تحدد ملامح المجتمع اليوم ومستقبله القريب.
المفارقة الأولى: “الهبّة” الديموغرافية مقابل “الفجوة” الاقتصادية
يتفق الخبراء على أن “التركيبة السكانية” هي القوة الدافعة الأولى. المنطقة تتمتع بأغلبية شبابية (أكثر من 60% تحت سن 30)، وهو ما يراه خبراء التنمية “هبة ديموغرافية” هائلة. هذا الجيل هو الأكثر تعليماً، والأكثر اتصالاً بالعالم، والأكثر جرأة على مستوى ريادة الأعمال.
لكن، يحذر خبراء الاقتصاد من “فجوة الفرص”. هذا الزخم الشبابي يصطدم بواقع اقتصادي لا يولد وظائف كافية بالسرعة المطلوبة. النتيجة، كما يرصدها علماء الاجتماع، هي حالة من “القلق الاجتماعي” تتمثل في:
- تأخر سن الزواج وتأخر الاستقلال المادي.
- صعود “اقتصاد العمل الحر” (Gig Economy): لا كخيار للرفاهية، بل كضرورة للبقاء.
- تزايد “هجرة الأدمغة”: حيث تبحث الكفاءات الأعلى عن فرص في الخارج.
الرأي السائد هو أن “بطالة الشباب” لم تعد مجرد مشكلة اقتصادية، بل هي “قضية استقرار اجتماعي” من الدرجة الأولى.
المفارقة الثانية: ضغط الطبقة الوسطى
هناك إجماع شبه تام بين الخبراء الاقتصاديين على أن الخطر الاجتماعي الأكبر حالياً هو “تآكل الطبقة الوسطى”.
تاريخياً، كانت الطبقة الوسطى هي صمام الأمان للمجتمعات، ومحرك الاستهلاك، ومصدر الاستقرار السياسي. لكن الخبراء يرصدون أن هذه الطبقة (الموظفون، المهنيون، صغار التجار) تتعرض لضغط هائل بسبب:
- التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة الأساسية (السكن، التعليم، الصحة).
- ركود الأجور مقارنة بسرعة ارتفاع الأسعار.
- التحول نحو الأتمتة الذي يهدد وظائف “الياقات البيضاء” التقليدية.
النتيجة الاجتماعية هي فقدان الإحساس بـ “الحراك الاجتماعي الصاعد” (أي شعور الفرد بأنه يستطيع تحسين وضعه بالعمل الجاد)، وهو ما يغذي الشعور بالإحباط وعدم اليقين.
المفارقة الثالثة: الاتصال المفرط مقابل العزلة الفردية
يركز خبراء الإعلام الرقمي وعلم النفس الاجتماعي على تأثير التكنولوجيا. لقد أدت وسائل التواصل الاجتماعي إلى “اتصال أفقي” غير مسبوق، وكسرت احتكار المعرفة، وخلقت مجتمعات افتراضية جديدة.
في المقابل، يرصد الخبراء اتجاهاً مقلقاً نحو “الفردانية” و”العزلة الاجتماعية”. التفاعلات الرقمية، رغم كثافتها، لا تعوض عن التواصل الإنساني العميق. هذا يخلق “فقاعات” اجتماعية (Echo Chambers) تزيد من الاستقطاب السياسي والاجتماعي، وتضعف النسيج المجتمعي التقليدي (مثل العلاقات الأسرية الممتدة أو علاقات الجوار).
المفارقة الرابعة: البحث عن الهوية في مواجهة العولمة
أخيراً، يلاحظ خبراء الأنثروبولوجيا الثقافية اتجاهاً قوياً ومتناقضاً. ففي الوقت الذي تنفتح فيه المنطقة اقتصادياً وسياحياً على العالم (العولمة)، هناك حركة “رد فعل” قوية تتمثل في:
- البحث عن “الأصالة” والهوية المحلية.
- التمسك بالمرجعيات الدينية أو القبلية أو الوطنية كـ “مرساة” في عالم سريع التغير.
يرى الخبراء أن هذا التوتر بين “الانفتاح” و”الحفاظ على الهوية” هو السمة الثقافية الأبرز للعقد الحالي، وهو ما يفسر حدة النقاشات العامة حول قضايا مثل التعليم، الفن، ودور المرأة.